وقف إطلاق نار أم سلام عادل- معضلة الشرق الأوسط النووية؟

المؤلف: حسين شبكشي09.02.2025
وقف إطلاق نار أم سلام عادل- معضلة الشرق الأوسط النووية؟

عنوان هذا المقال مستوحى من الرائعة الأدبية الروسية "الحرب والسلم"، تحفة ليو تولستوي الخالدة، التي تعد بحق من أعظم إنجازات الأدب الإنساني. تتناول هذه الرواية الملحمية المآسي والكوارث التي أحدثها الغزو الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت للأراضي الروسية الشاسعة. لقد استحضرت هذه الصورة في ذهني وأنا أتابع باهتمام بالغ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن وقف إطلاق النار "الفوري" بين إيران وإسرائيل، وذلك عقب المواجهة العسكرية الشديدة التي نشبت بينهما. فجأة وبجرة قلم، تم حسم الأمر بأمر من قاطن البيت الأبيض. والجدير بالذكر أن هذا الإعلان قد تخلى بشكل ملحوظ عن أهداف تغيير النظام، التي أعلنها ترامب بنفسه في وقت سابق، كما لم يتم القضاء على البرنامج النووي الإيراني، وهي قضية تثير جدلاً واسعاً الآن داخل أروقة الكونغرس والمؤسسات الإعلامية، التي تشكك في تصريح ترامب بأن الضربات العسكرية الأمريكية "نجحت في إنهاء البرنامج النووي"، مستندة في ذلك إلى معلومات استخباراتية أولية.

الواضح الآن أننا نعيش في مرحلة وقف لإطلاق النار، وليس في مرحلة سلام دائم. وقف إطلاق النار، بطبيعته، هش وقابل للتغيير، ومن الوارد جداً أن تعود حالة الحرب كما كانت في أي لحظة. والسبب في ذلك بسيط للغاية: المسألة برمتها تفتقر إلى العدالة والإنصاف. فمنذ انطلاق البرنامج النووي الإسرائيلي في الخمسينات من القرن الماضي، والمنطقة تغص بمشاريع تسعى جاهدة لمحاكاة المشروع الإسرائيلي والحصول على القنبلة النووية. بدأت مصر مشروعها الخاص، لكن إسرائيل قضت عليه بسرعة باغتيال أبرز علماء المشروع. ثم سعى العراق إلى مشروع نووي طموح، قامت إسرائيل بقصفه في عملية عسكرية مباغتة في الثمانينات الميلادية من القرن الماضي. وتلا ذلك محاولة سورية بالاشتراك مع كوريا الشمالية في دير الزور، قضت عليها إسرائيل بقصف صاروخي من الجو.

لم يتم الاعتراف لا إسرائيلياً ولا دولياً بوجود المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا، كما لم يسمح لوكالة الطاقة الذرية بإجراء الفحص التقني عليه، كما هو متبع في الحالات المشابهة. وبالرغم من التعامل معه كمسألة سرية للغاية، إلا أنه أصبح أفضح الأسرار، بما في ذلك على الصعيد الداخلي الإسرائيلي نفسه.

لقد فضح البرنامج النووي الإسرائيلي أحد الموظفين التقنيين العاملين فيه، وهو موردخاي فعنونو، الذي كشف عن تفاصيله في مقابلة مدوية مع صحيفة "التايمز" البريطانية في عام 1986. وبعد ذلك، قامت عناصر الموساد الإسرائيلي باختطافه من أوروبا، وحاكمته وأودعته السجن. عرف البرنامج النووي الإسرائيلي بـ "خيار شمشون"، وهو مستوحى من القصة التوراتية الشهيرة التي يحطم فيها بطل القصة المعبد وهو يصيح صيحته الشهيرة "علي وعلى أعدائي".

الدول العربية نادت ولا تزال تطالب بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية تماماً من أسلحة الدمار الشامل، وعلى رأسها القنابل النووية.

إن وقف إطلاق النار ما هو إلا حل مؤقت لمشكلة معقدة ومتأصلة، غابت عنها معايير العدالة ومقاييس الإنصاف والمساواة. فما دام استمر غض الطرف عن مفاعل إسرائيل النووي، ستكون هناك الذريعة والأسباب الكافية لدول المنطقة للسعي إلى مشاريع مماثلة. ولكن هذا ليس غريباً على دولة ما فتئت منذ الإعلان عن قيامها وهي تتوسع وتعتدي على حدود الدول المجاورة لها وتستولي على أراضيها وتحتلها بلا أي رادع أو محاسبة. دول المنطقة تتوق وترغب في العيش في سلام دائم ومستقر، وليس في حالة وقف إطلاق نار متقطع ومؤقت. ولكن لن يتحقق السلام المنشود ما لم يكن مبنياً على أسس العدالة والمساواة والإنصاف.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة